عشيّة الهدنة المفترضة في غزة، إحتدمت المواجهة العسكرية في الجنوب بين «حزب الله» وجيش الاحتلال الإسرائيلي على الحدود الجنوبية مع فلسطين المحتلة، الأمر الذي أدى إلى استشهاد مجموعة من الضباط الميدانيين في المقاومة ومن بينهم عباس رعد (سراج) ابن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد... فما هي دلالات ما جرى وكيف يتعامل معه الحزب؟
لقد بَدا وكأنّ استشهاد ابن النائب محمد رعد جرّاء غارة للعدو الاسرائيلي، أعاد إحياء المناخ الذي رافق استشهاد هادي نصرالله ابن الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله قبل سنوات، لناحية التفاعل الواسع مع الواقعة و»احتضان» أصحابها.
وعلى رغم الانقسامات الداخلية الحادة والخصومات السياسية التي كان رعد طرفاً فيها، الا انّ شهادة ابنه دفعت الكثيرين، ولو مؤقتاً، الى القفز فوق تلك الاعتبارات احتراماً لخصوصية اللحظة وتقديراً للدم المبذول، فيما اختارت قلة ان تبقى واقفة في مكانها وعالقة في سراديبها المظلمة.
وما عزّز الالتفاف حول رعد والتضامن الوطني معه، هو انّ ابنه استشهد على أرض لبنانية، في قلب الجنوب، باعتداء إسرائيلي معلن ومصوّر. وبالتالي، لا التباس او غموض في شهادته التي استطاعت ان تجمع ولو نسبياً ما فرّقته السياسة.
وظهر واضحا ان العدو انتهز الساعات الأخيرة الفاصلة عن بدء سريان الهدنة، لتصعيد عدوانه على لبنان بغية تحقيق أمرين:
- الايحاء بأنّ له الكلمة الاخيرة في الميدان قبل تعليق جولة القتال ومحاولة التعويض عن اخفاقاته في قطاع غزة بإنجاز ما في الجنوب اللبناني، وكأنه اراد ان يستبدل «بيت حانون» بـ»بيت ياحون».
- الرد على الضربات الموجعة التي تلقاها في الأيام الاخبرة جرّاء تصاعد عمليات «حزب الله» ضد مواقعه، كمّاً ونوعاً، وذلك في محاولة لترميم قوة الردع المتهالكة.
ولكن الحزب لم ينتظر طويلاً لاستعادة المبادرة والرد على الرسالة الإسرائيلية بالبريد السريع، إذ بادر غداة الغارة التي استهدفت كوادره الى شَن هجوم صاروخي هو الأعنف منذ بداية الحرب على عدد كبير من مواقع الاحتلال في شمال فلسطين المحتلة، وكان لافتاً في هذا السياق العمق الذي بلغه رَدّه مع استهدافه قاعدة عين زيتيم قرب مدينة صفد (مقر لواء المشاة الثالث التابع للفرقة 91) بـ48 صاروخ كاتيوشا.
ومن المؤكد انّ الاستهداف الذي حصل لبعض كوادر الحزب داخل منزل في بيت ياحون، وضمنهم عباس رعد، سيخضع الى مراجعة دقيقة من قبل الاجهزة المختصة في المقاومة، لكشف طبيعة الخلل الذي سمح للعدو بـ»اغتيال» هؤلاء، وهل الأمر يتعلق باختراق استخباراتي ساهمَ في رصد تحركات الشهداء وتحديد مكان وجودهم معاً ام هناك عوامل أخرى أدّت الى استهدافهم على هذا النحو؟
وحتى ذلك الحين، فإن استشهاد ابن محمد رعد يعكس الحقائق الآتية:
- دليل إضافي على انّ الدور الذي يؤديه الحزب عند جبهة الجنوب ليس «استعراضياً» أو «شكلياً» كما يتهمه البعض، وإنما هو يندرج في اطار خوض معركة حقيقية نصرة لغزة وحماية للبنان، بكل ما تنطوي عليه من كلفة ومجازفة.
- انّ أبناء المسؤولين والقادة في الحزب لا يختلفون عن غيرهم من مقاتليه ولا يحظون بأيّ «امتيازات»، بل هم أيضا يتواجدون في الخطوط الأمامية للقتال ويواجهون المخاطر على مختلف انواعها.
- انّ الحزب، وخلافاً لما أراده الاحتلال عبر هذه الضربة، اكتسب من استشهاد ابن احد كبار مسؤوليه «نضارة» وزخماً بعد محاولات دؤوبة من قبل أعدائه لشيطنة صورته ومحاصرته.
- انّ استشهاد ابن رعد أعاد مد الجسور، أقلّه الوجدانية، بين المقاومة وبعض الذين يعارضون خياراتها.
وتعليقاً على استشهاد ابن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، قال الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ»الجمهورية»: «كل التعازي للحاج محمد رعد ورحم الله ابنه الشهيد عباس وكل الشهداء».
وضمن سياق متصل، يحرص جنبلاط على التعاطي بحذر شديد مع الهدنة المعلنة في قطاع غزة، مُبدياً خشيته من احتمال «اننا لا نزال في أوّل الطريق بالنسبة إلى العدوان الاسرائيلي».
وأشار جنبلاط الى انه غير متفائل كثيراً بالهدنة وبإمكان تطويرها او تثبيتها قريباً نحو إنهاء الحرب، خصوصاً أن الإدارة الأميركية لم تتلفّظ حتى الآن بعبارة «وقف إطلاق نار ثابت» وتكتفي بطرح ما تسمّى هدن إنسانية، ويدعمها في ذلك الغرب المطيع.
وأضاف: «هذه ليست معلومات ولكن للأسف هذا انطباعي وأنا لست مطمئناً...».
وفي معرض تعليقه على كَون الهدنة ستسمح بإدخال مزيد من الوقود والمساعدات الإنسانية الى غزة، يتساءل جنبلاط عمّا يجري على معبر رفح؟ متابعاً: «بصراحة لا نعرف من يُدير فعلياً هذا المعبر وإن كانت مصر هي التي تسيطر عليه رسمياً».